تفاصيل النموذج

صيف المدينة بعد الأنسنة

 صيف المدينة بعد الأنسنة

المدينة المنورة بعد الأنسنة ليست كما قبلها، وكأنما استعادت شبابها وصوتها ومشاعرها.

كان الصيف موسماً للهروب الكبير من المدينة، حرارة الطقس وزحام الحج والإغلاقات المتكررة للمحلات ومحدودية أشكال الترفيه أسباب كانت تدفع الناس دفعاً باتجاه المطارات.

أما اليوم وبعد تبني فكرة الأنسنة وانطلاق مشاريعها تغير الوضع إلى حد كبير ويمكننا أن نقول إن المدينة أصبحت مكاناً مثيراً يستحق الاكتشاف.

نرى مظاهر الأنسنة في نظافة الشوارع وتنظيم الأحياء وشكل المساكن وفي كفاءة مرافق الخدمات وتنوع وسائل النقل والعناية بالاحتياجات الخاصة وزيادة مساحة التشجير وانتشار الفعاليات الثقافية والاجتماعية وزيادة عدد المحلات والمقاهي والمطاعم التي تعمل على مدار اليوم، فلا أبالغ إذا قلت إن المدينة أصبحت تزداد صداقة مع إنسانها وأصبحت كل مواسمها المناخية قابلة للحب والتذكر والفرح، وبلا شك فقد انعكس هذا على طبيعة مجتمعها المتنوع أصلاً والمحب للحياة.

المعروف أن عملية الأنسنة تعد تحدياً بالغ الصعوبة وبخاصة عندما نتحدث عن المدن القائمة فعلاً، التي أسست بناها التحتية وأنماطها العمرانية في أزمنة لم تتبلور فيها مفاهيم جودة الحياة والمدن الصديقة، مما يجعلنا ننظر اليوم للمدينة بسعادة بالغة فقد قطعنا بالفعل شوطاً لا بأس به في وقت قصير جداً.

من المهم أيضاً الإشادة بجهود هيئة تطوير المدينة المنورة في هذا المجال والتي بدأت بتناول الدراسات وتنظيم المؤتمرات وقراءة التجارب العالمية المتعلقة بالأنسنة منذ عام 2019 كجزء من مستهدفات الرؤية الوطنية 2030. واليوم بعد ما يقارب خمس سنوات فقط أجد أنه من الإنصاف القول إن فكرة الأنسنة تتجسد أمامنا شيئاً فشيئاً وتبدو أقرب إلى واقعنا يوماً بعد يوم.

اليوم تتوفر أماكن أنيقة للمشي والتنزه وممارسة الهوايات، كما توجد أماكن أكثر للتسوق والقراءة والاحتفالات ولقاءات الأصدقاء بمستويات ملائمة لكافة الأذواق والتوجهات الفكرية والإمكانات المالية، وعندما يتوفر كل هذا دون تكاليف إضافية للسفر والتنقل مع مستوى أمان مرتفع جداً، فإنه يمكننا القول بكل تأكيد إن المدينة أصبحت مكاناً جميلاً لقضاء الإجازات، وإن صيفها أصبح أكثر لطفاً وانتعاشاً.

ما زال مشوار الأنسنة في بدايته، ومع تفاؤلنا الكبير بما أنجز حتى الآن فإنني أرى ضرورة أن تتماشى فكرة الأنسنة مع حقيقة عراقة المدينة، فنحن نعيش في مكان استوطنه الإنسان منذ 3000 سنة، وأعتقد أنه يمكننا استعادة الروح القديمة للمدينة من خلال الوعي بها على مستوى التخطيط الحضري أو التفاعل الثقافي، أو الأنشطة التجارية، أو غير ذلك مما يلامس حياة الإنسان ويندمج في هوية المدن ويصب في استدامة مواردها واستثمار ثقافتها.