تطوير موقع غزوة الخندق والساحات المحيطة به
تُعد غزوة الخندق من أبرز المنعطفات المفصلية في السيرة النبوية، حيث اجتمعت قوى الأحزاب لحصار المدينةالمنورة، فاستشار النبي أصحابه، فكان رأي سلمان الفارسي بحفر خندق يحيط بالمدينة من الجهة الشماليةالغربية، ليشكّل بذلك حاجزًا طبيعيًا وخط دفاع حمى المدينة وأهلها من الغزو. ولم يكن الخندق مجرد تحصين عسكري، بل كان شاهدًا على وحدة الصف، وتلاحم المسلمين، وثباتهم في وجه الشدائد. وقد امتد مسار الخندق عبر مواقع متعددة غرب المدينة، من أبرزها أطم المذاد ، كما يُعد مسجد الراية (جبل ذباب) أحد المواقع التي أقام فيها النبي خلال حفر الخندق، مما يضفي عليه بُعدًا رمزيًا وتاريخيًا مهمًا حيث حصلت به حادثة الكدية التي بشر النبي بالفتوحات الكبرى، كما يوجد عدد من المصليات التاريخية التي ارتبطت بأحداث الغزوة في الميدان الرئيسي بالغزوة، أبرزها مسجد الفتح، ومصلى سلمان الفارسي رضي الله عنه، والتي تمثل شواهد حية على عظمة ذلك الحدث ومكانته في الذاكرة الإسلامية مثلها مثل موقع شعب بني حرام الذي الكهف الذي أقام به النبي وحصول معجزة اكثار الطعام في هذا الشعب. وانطلاقًا من هذه القيمة الدينية والتاريخية العظيمة، أطلقت هيئة تطوير منطقة المدينة المنورة مشروع "تطوير موقع غزوة الخندق والساحات المحيطة به"، بهدف إعادة إحياء هذا المعلم النبوي وتهيئته ليكون وجهة حضرية تاريخية متكاملة تستقبل الزوار من مختلف أنحاء العالم، وتُقدم تجربة تفاعلية ثرية تنقل تفاصيل الغزوة في بيئتها الأصلية. ويرتكز المشروع على رؤية عمرانية شاملة تستلهم روح المكان وتعيد صياغته في إطار حضري حديث، من خلال تصميم شبكة من المسارات والمرافق التي تربط بين عناصر المشهد التاريخي والمعماري، وتحاكي السياق المكاني والزماني للواقعة. يشمل المشروع إعادة تأهيل المناطق المحيطة بالمصليات التاريخية وتطويرها بما يعزز من جودة المشهد العمراني،إضافة إلى ترميم وتأهيل المصليات التاريخية المرتبطة بالغزوة، حيث يُجسّد كل مصلى منها قيمة إيمانية وتاريخية تعبّر عن مواقف من البطولة والتضحية واليقين. كما يتضمن المشروع تطوير البنية التحتية والخدمات اللوجستية لضمان سهولة الوصول والحركة داخل الموقع، وتوفير بيئة متكاملة تُثري تجربة الزائر ،عبر سرد بصري وتفاعلي يعيد إحياء هذه المعركة الهامة. أيضاً، يتضمن المشروع تطوير "محكى الخندق" كعنصر عمراني مبتكر يُجسّد هيئة الخندق كما وردت في الروايات النبوية، ليقدّم تجربة تفاعلية تُقرب الزائر من أحداث الغزوة وتُعزز ارتباطه بالسيرة النبوية. يهدف المحكى إلى إثراء التجربة الثقافية والتاريخية من خلال تصميم إبداعي يعكس أصالة الموقع وقيمته الروحية، ليكون محطة رئيسية للتأمل والمعرفة، تُمكّن الزائر من معايشة واحدة من أبرز لحظات الثبات والإيمان في تاريخ الإسلام.